لطالما كان وثيقة التأمين الصحي هي الحل الفعّال للمشاكل المادية التي تتزامن مع المشاكل الصحية ، وتعمل بشكل كبير على تقليص العبء المادي على دخل الفرد جراء هذه المصاريف.
في ليبيا بدأ التأمين الصحي تزامناً مع دخول الشركات الأجنبية في العقد الماضي ، ظهرت هذه الثقافة الجديدة من هناك ، ولم تتوقف على الإطلاق ، في عام 2009 أصدر مؤتمر الشعب العام آن ذاك قانون يلزم أرباب العمل على اصدار وثيقة تأمين صحي لكافة العاملين ، وتوقف القانون آن ذاك في إنتظار تنفيذه من المؤسسات العامة أولاً وبقى حبراً على ورق ولا أعلم أين انتهى به المطاف .
في هذه السنوات الاخيرة بدأ الموظفين بمطالبة مؤسساتهم بإصدار وثائق التأمين الصحي أسوة بقطاع النفط الذي أغلب موظفيه يملكون هذه الوثيقة التي توفر لهم العلاج المجاني في عدة مصحات ومستشفيات داخل وخارج ليبيا ، وأعتقد أن الشركة العامة للكهرباء تتجه نحو إصدار هذه الوثيقة لموظفيها ، كما ستفعل وزارة التربية والتعليم في المستقبل القريب حسب توقعاتي .
تركيزي الآن على المؤسسات الكبيرة والوزارات التي تملك عدد كبير من الموظفين ، إصدار هذه الوثيقة قد تكون له عواقب سيئة على من لا يملكون هذه الوثيقة ، بحيث سترتفع ( كما يحدث تدريجياً الآن في عدة مصحات تتعامل مع شركات تأمين وشركات إدارة نفقات صحية ) تكلفة العلاج والكشف وما إلى ذلك بسبب من يملكون وثائق التأمين.
إصدار مثل هذه الوثيقة لقطاع التعليم والذي يملك أكبر عدد من الموظفين ، سيقود الوضع لما هو أسوء دون أدنى شك ، الإنفجار الذي سيقود إلى جعل المصحات تستغل هذه الميزة المهمة جداً من أجل الحصول على أرباح أكثر بطريقة لن تكون بالصحيحة .
في فرنسا العام الماضي كان سؤال الاطباء لي بإستمرار قبل البدء في الكشف هو إذا ما كنت أملك تأمين صحي ، التكلفة بين من يملكون التأمين الصحي ومن لا يملكون بلا شك ستكون مختلفة ، فبالتالي يوجه لك السؤال قبل البدء في عملية الكشف .
لا أعتقد أن في ليبيا سيهتم تجار الطب بهذا الأمر إذا ما أتخذوا قرار برفع كلفة الكشف التي بدأت فعلاً في عدة مصحات خاصة لأكثر من 200% في اقل من عامين حسب مراقبتي وترددي على مصحات مختلفة في طرابلس .
من ناحية اقتصادية ، لن يستفيد الإقتصاد على الأطلاق من النمو التجاري الذي ستحققه هذه المصحات لانها بنيت على اساس إنتهازي إستغلالي قبل أن تبنى على اساس تنموي.
قرأت مقالة للدكتور إدريس القايد على موقع صحيفة الكاف تحدث فيها بإسهاب عن مهنة الطب بصفة عامة بين مطرقة الإنسانية ومراعاة الفقراء وسندان اقتصاد السوق الهش ، أعجبني ما تناوله فيها قبل عام وأكثر من اليوم ، وختم مقالته بقوله أنه لو اهتم بكافة التفاصيل عند دخول المريض لديه لكانت تكلفة الكشف مائة دينار أو اكثر ، لكن قال ” لكنني لن افعل فمهنتي “إنسانية” وعلي ان اراعي “الأغنياء” وان اراعي “الفقراء”! ” ، بعد عام تغير الوضع ، بعد عام يقترب الكشف في عيادة الدكتور ادريس القايد نحو المائة دينار بثبات بعد ان رفع اجرة الكشف لخمسون دينار عن كل طفل يدخل للكشف .
هذه اللعبة لا قوانين لها ، لا يحكمها سواء اقتصاد هش يتجه بثبات نحو التضخم ، لاتحكمه وعود ولا مبادئ ، والتأمين الصحي للمؤسسات الكبرى التي تحوي قدر كبير جداً من الموظفين ستطيح بكافة المبادئ الإنسانية وجيوب الفقراء ومن يعيش بين هذا وذاك !.